المشاركات الشائعة

الجمعة، 10 مايو 2013

الكبائر

الكبائر: هي الذنوب الجسيمة الخطر، التي توجب لفاعلها غضب الله ولعنته، واستحقاق نار جهنم، وقد توجب على صاحبها حدا في الدنيا...
الهي ثبت عبادك
د. يوسف القرضاوي
بعد الكفر بدرجاته ومستوياته تأتي المعاصي، وهي مرتبتان: كبائر وصغائر. والكبائر: هي الذنوب الجسيمة الخطر، التي توجب لفاعلها غضب الله ولعنته، واستحقاق نار جهنم، وقد توجب على صاحبها حدا في الدنيا.
وقد اختلف العلماء في تحديدها اختلافا كبيرا، لعل أقربها: أنها كل معصية شرع الله لها حدا في الدنيا، أو أوعد عليها في الآخرة بوعيد شديد كدخول النار، أو الحرمان من الجنة، أو استحقاق غضب الله تعالى ولعنته. فهذا يدل على كبر المعصية.
على أن النصوص قد ذكرت عددا منها حددته بالتعيين مثل الموبقات السبع، وهي ـ بعد الشرك ـ: قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، والسحر، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات، والتولي يوم الزحف (يوم لقاء العدو في المعركة)، ومثلها: ما صحت به الأحاديث، من عقوق الوالدين، وقطع الرحم، وشهادة الزور، واليمين الغموس، وشرب الخمر، والزنى، وعمل قوم لوط، والانتحار، وقطع الطريق، والغصب، والغلول، والرشوة، والنميمة.
ومنها: ترك الفرائض الأساسية، مثل: ترك الصلاة، ومنع الزكاة، والإفطار بلا عذر في نهار رمضان، والإصرار على ترك الحج لمن استطاع إليه سبيلا.
ومما أثبتته الأحاديث: أن الكبائر ذاتها تتفاوت. ولهذا صح في الحديث: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر"؟، وعدد لهم بعد الشرك: عقوق الوالدين، وشهادة الزور".
وصح أيضا: "إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه". قالوا: وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال: "يسب الرجل أبا الرجل، فيسب أباه، ويسب أمه".
أي أنه سبهما، حين سب الآخرين، مما أدى إلى الرد عليه بمثله، بل كال له الصاع صاعين، فقد سب أبا الآخر، فسب الآخر أباه، وسب أمه معه.
لقد اعتبر الحديث الشريف التسبب في جلب السب إلى الوالدين من أكبر الكبائر، ليس مجرد حرام، ولا مجرد كبيرة، فكيف بمن باشر والديه بالسب؟ وكيف بمن باشرهما بالإيذاء والضرب؟ وكيف بمن جعل حياتهما جحيما لا يطاق بسبب الجفاء والعقوق؟
وقد فرق الشرع بين المعصية التي يدفع إليها الضعف، والمعصية التي يدفع إليها البغي، فالأولى مثل الزنى، والأخرى مثل الربا، فجعل الربا أشد إثما عند الله تعالى، حتى إن القرآن لم يقل في معصية ما قال في الربا من قوله تعالى: (وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين، فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله).
ولعن الرسول الكريم آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه، وقال: "درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم، أشد من ستة وثلاثين زنية"، وجعل الربا سبعين أو اثنين أو ثلاثة وسبعين بابا، أدناها وأيسرها: أن ينكح الرجل أمه.
وليست الكبائر مقصورة على الأعمال الظاهرة، كما قد يتوهم، بل كبائر معاصي القلوب أشد أثما، وأعظم خطرا.
فكما أن أعمال القلوب أعظم وأفضل من أعمال الجوارح في الطاعات، نجد أعمال القلوب في جانب المعاصي أعظم وأبعد أثرا، وأكبر خطرا.
ــــــ
- عن كتاب "في فقه الأولويات.. دراسة جديدة في ضوء القرآن والسنة" للشيخ القرضاوي.
 

ليست هناك تعليقات: